أبريل 14 2015

خيانة طبية

نشرت بواسطة الساعة 1:32 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

زاوية تكوين/موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب

تعدّ علاقة الإنسان بطبيبه ومحاميه ومرشده الروحي خاصةً تحميها تشريعات وأعراف، وتُوفر الضمانات اللازمة لسرية العلاقة بسبب حساسياتها، وللثقة شبه المطلقة بين الفرد وصاحب إحدى هذه المهن. حين يعترف أحدنا لمرشده الروحي أو محاميه فالقانون يحمي تلك الاعترافات من عرضها للمحكمة لسريتها وخصوصيتها.

الطبيب، على وجه الخصوص، مؤتمن على حياة المرضى، ويقدم لهم مجمل دراسته وخبرته ومعلوماته، لكن أن يقدم الطبيب معلومات خاطئة هدفها الربح المادي فقط، فما من أحد يقبل ذلك، إذ يضع جمهور عريض من البشر حياتهم وأرواحهم بين أيدي الأطباء المرخصين والمؤهلين.

خيانة طبية استمرت طويلاً أثبتها الزملاء مصعب الشوابكة وحنان خندقجي في تحقيقهم الاستقصائي لراديو البلد الذي كشف عن قيام أطباء عديدين في أكثر من عيادة بعملية تجارية بحتة يعتبرها الاختصاصيون مجرد بدعة، وهي استخدام الأوكسجين المضغوط، الذي لم يكن يوماً مرخصاً في الأردن، لعلاج “التوحد”.

معلومة بسيطة كشفت استغلال عيادات وأطباء عطف الآباء والأمهات ليقوموا بعملية نصب واحتيال مدعين أن نسبة نجاحها تتجاوز 90%، وإن لم يتحقق النجاح بسبب مقاومة الطفل، فالحل هو وجبات إضافية من الأوكسجين المضغوط بتكلفة 80 ديناراً للجلسة الواحدة، وتشترط العيادة أن يكون الحد الأدنى 40 وجبة لكل حالة.

ما يقلق في هذه القضية هو أن آليات الرقابة موجودة ومتوفرة، غير أنها لم تكن مفعلة بسبب الإهمال، أو ربما لتدخل المستفيدين من هذا الاستغلال القائم، فالمؤسسة العامة للغذاء والدواء لم ترخص استخدام الأوكسجين المضغوط، وكذلك نقابة الاطباء، ووزارة الصحة التي كانت تعلم، لكنها لم تفعل وتهرّب وزيرها من الرد على أسئلة أساسية.

الجهة الوحيدة، التي اهتمت وبادرت لكسر هذه الدائرة المفرغة من مافيا الطب مشكورة، هي وزيرة التنمية الاجتماعية، حيث قدرت الأهمية الاستثنائية للقضية،، وتدخلت على مستوى عالٍ ما أدى إلى إغلاق عيادات، وخروج المؤسسة العامة للغذاء والدواء ببيانات إرشادية توعوية حول عدم جدوى الأوكسجين المضغوط.

أين كانت كل تلك المؤسسات، في الوقت الذي كان فيه الأطباء والعيادات التجارية يمصون دماء المواطنين، والكذب عليهم بأمر تبين أنه مجرد بدعة أو تجربة لم تثبت علمياً على أقل تقدير، والأمر والأدهى أن هؤلاء الأطباء قدّموا معلومات علمية اتضح لاحقاً أنها محاولات خسيسة لسحب الأموال من جيوب من ائتمنهم.

في الحقيقة، فإن ما تغافلت عنه المؤسسات الوطنية زمناً طويلاً – وعلى رأسها المؤسسة العامة للغذاء والدواء ووزارة الصحة وغيرها- وربما كان هناك مسائل أخرى لم يتم الكشف عنها بعد، هو بالتأكيد خيانة طبية على أعلى المستويات.

 

  • داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .