كلمة داود كتاب في افتتاح مؤتمر أريج

قبل عدة أشهر وأثناء وجودي في جامعة برنستون الامريكية شاركت عبر الانترنت وبالتعاون مع المركز الدولي للصحفيين في دورة للإعلامين العرب حول الصحافة الاستقصائية. وضمن نشاطات الأسبوع الاول للدورة طلبنا من المشاركين مراجعة وسائل اعلامهم المحلية خلال الايام الثلاثة الماضية واختيار تحقيق إستقصائي لكي يتم مناقشته بين المشاركين في الدورة. عكست النتيجة مشكلتين لطالما واجهتنا. اولا عدم قدرة غالبية الصحفيين العرب على التمييز بين التحقيق العادي، او ما نسميه ريبورتاج او فيتشر، والتحقيق الاستقصائي. وثانيا وهو الاهم الغياب النوعي والكمي للتحقيقات الاستقصائية في إعلامنا العربي.

قد نحتاج الى مؤتمر آخر للحديث عن مسببات ضعف إعلامنا لهذا النوع من التحقيقات (من غياب التشريعات والتقاليد والمهنية والبيئة المناسبة لذلك) ولكن اسمحوا لي أن أركز على إحدى الاسباب (واكرر انني اتحدث عن إحدى الاسباب) وهو أن غالب الصحف اليومية والتلفزيونات القومية ذات القدرة على التحقيق الاستقصائي المستقل غير متحمسة لذلك، في حين أن أصحاب الصحف المستقلة والاسبوعيات والمواقع الإلكترونية الذين يرغبون بذلك ولديهم الجرأة على النشر لا يملكون الوقت والمال والصبر الضروري لذلك. لقد وجدت أريج من الوضع القائم فرصة للعمل، فلبت رغبة الاعلامين في صناعة التحقيقات الاستقصائية ومنحتهم الفرصة لذلك متأملة في نفس الوقت أن يشكل ذلك حافزا لأصحاب المؤسسات الإعلامية لنشر نتيجة عمل صحفيهم والتفكير في المستقبل بتوفير الفرصة والميزانيات للصحفيين للاستمرار في التحقيقات.

إن التحقيق الاستقصائي هو عمل علمي مهني يتطلب ساعات وايام وأسابيع طويلة من البحث والاستقصاء مستخدما تقنيات الاستكشاف والتحليل من مختبرات علمية (مثلا لفحص نوعية المياه) الى البحث عبر الكمبيوتر والانترنت والعمل البطيء والدقيق من خلال آليات علمية وتقنية مدروسة (وأحيانا من خلال التخفي) للكشف عن المستور واستعراض الحقائق لتوعية الجمهور بهدف الخدمة العامة للمجتمع . وكل ذلك كي يقوم الاعلام المستقل بدوره كسلطة رابعة تراقب القطاع العام والخاص الذي يدق ناقوس الخطر بهدف التوعية لمنع حدوث الاخطار وحتى الكوارث البيئة والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

أريج – إعلاميون من أجل صحافة إستقصائية عربية ولدت عام 2005 بمبادرة مجموعة إعلامين عرب واوروبين بهدف تبادل الخبرات والتقنيات في مجال البحث الاستقصائي. تشكل المجلس وهو يتألف من رنا الصباغ من الاردن وابراهيم حميدي من سوريا ونبيل الدجاني وماجدة أبوفضل من لبنان و بيا ثوردسون وانس يريحوا من الدنمارك وداود كتاب من فلسطين والاردن.

إن أسلوب عملنا مبني على رؤيتنا لضرورة دمج التدريب بالعمل الصحفي ومحاولة إفادة الجمهور العام من الصحفيين من خلال نشر التحقيقات واليوميات للصحفي وللمدرب على موقعنا arij.net.

تطلب طبيعة عملنا وقتاً وجهداً ومالاً. ولذلك حاولنا في البداية التركيز على ثلاث دول هي سوريا والاردن ولبنان وقد توسعنا مؤخراً إلى مصر ونفكر في العمل في فلسطين والعراق ومن ثم الى دول عربية أخرى. طبعا هدفنا ورغبتنا وامنيتنا أن تقوموا أنتم كلٌّ في بلده بتشكيل مجموعات للصحفيين الاستقصائيين لتبادل التجارب والخبرات ولتوحيد الجهود والدفاع عن حقوقكم ومهنية العمل الصحفي.

مؤتمرنا الاول محاولة متواضعة للم شمل الاعلاميين والخبراء لتبادل التجارب ولاستعراض طرق جديدة وتقنيات متطورة لمساعدة الصحفي في عمله. لقد دعينا خبراء عرب واجانب لمشاركتكم بتجاربهم. وخصصنا ورشة دائمة لمشاركتكم بما يمكن ان يوفره الحاسوب من مساعدة في عملكم.

عندما فكرنا في عقد هذا المؤتمر كان الهدف إعطاء فرصة لمن شاركوا في دورات اريج ونشروا تحقيقاتهم لتبادل تجاربهم ولكن العطش لهذا اللون من الاعلام جلب لنا فيضاً من طلبات الراغبين بالمشاركة في اول مؤتمر عربي من نوعه.

لقد شكل رد فعلكم القوي ضرورة مضاعفة جهودنا في توفير البعثات والامكانيات. وفي هذا المجال لا بد من تقديم الشكر لكافة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية (العامة والخاصة) لدعمهم المادي والنوعي للوصول الى هذه المرحلة. وبالنيابة عن مجلس الادارة وعنكم اسمحوا لي ان أقدم جزيل الشكر لفريق عمل أريج وبالأخص روزيت ويوسف وهنادي والمايسترو رنا الذين سهروا الليالي وهم يعملون للتحضير للمؤتمر وتوفير كافة متطلبات النجاح. اتمنى أن يكون النقاش عميقاً ومفيداً والإقامة في الاردن ممتعة لنخرج معاً بجيل جديد من الصحفيين الاستقصائيين العرب.

Comments RSS